نبـــــــــي الله ءادم عليــــــــــه الصلاة والسلام

المحتوى:

← كيف خلــــــــق ءادم عليــــــــــه الصلاة والسلام

← الخِلقة التي خُلق عليها ءادم عليــــــــــــــــه السلام

← ذكر احتجاج ءادم وموسى عليهـــــــــــــــما السلام

← ذكر إخراج أرواح ذرية ءادم من ظهره وأخذ الميثاق

← خلقُ حواء عليها السلام

← سجود الملائكة لآدم واعتراض إبليس وعدم سجوده وطرده من الجنة

← خلافةُ بني ءادم في الأرض

← كيف عرف الملائكة أن بني ءادم يفسدون

← سكنى ءادم وزوجته حواء الجنة

← سبب خروج ءادم من الجنة

← مدة إقامة ءادم عليه السلام في الجنة واليوم الذي خرج فيه من الجنة

← مكان نزول ءادم عليه السلام على الأرض

← بناء البيت الحرام

← قصة هابيل وقابيل

← موت سيدنا ءادم وحواء عليهما السلام


قال الله تعالى: {إنَّ اللهَ اصطفى ءادمَ ونوحًا وءالَ إبراهيمَ وءالَ عمرانَ على العالميــــــــــــــــــنَ} [سورة ءال عمران}. سيدنا ءادم عليه السلام هو أبو البشر وأولُ إنسان خلقه الله تعالى، فهو أول النوع البشري الذي فضله الله على سائر أنواع المخلوقات، فهو أفضل من النوع الملكـــــــي وأفضل من النوع الجنــــي.

وكان خلقه عليه السلام في الجنة ءاخر ساعة من يوم الجمعة من الأيام الست التي خلق الله فيها السموات والأرض كما جاء في حديث مسلم، وروى مسلم وغيره أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلــــــــــــــــــــــــــــــق ءادم".

كيف خلــــــــق ءادم عليــــــــــه الصلاة والسلام

شاء الله سبحانه وتعالى بمشيئته التي لا تتبدل ولا تتغير وجود ءادم عليه السلام فأبرزه بقدرته من العدم إلى الوجود. فقد أمر الله تعالى مَلكًا من ملائكته الكرام أن يأخذ من جميع أنواع تراب الأرض التي نعيش عليها ليخلق منه ءادم عليه السلام، فأخذ هذا الملك من جميع أنواع تراب الأرض من أبيضها وأسودها وما بين ذلك، ومن سهلها وحَزْنها أي قاسيها وما بين ذلك، ومن طيبها ورديئها ومما هــــــو بين ذلك.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قبض قبضة من الأرض من أبيضها وأسودها وما بين ذلك، ومن طيبها ورديئها وما بين ذلك فجاء ذرية ءادم على قدر ذلك" رواه ابن حبان وغيره، وعند أحمد "فجاء بنو ءادم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيب وبيــــــــن ذلك".

أي جاءت أحوال وألوان ذرية ءادم عليه السلام مختلفة بسبب هذا التراب المختلف الذي خُلق منه ءادم عليـــــــــــه الصلاة والسلام.

فائدة: قيل سمي ءادم بهذا الاسم لأنه من أديـــــــــم الأرض.

معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم "إن الله خلق ءادم على صورته".

 يجوز أن يكون معنى هذا الحديث: "إن الله خلق ءادم على صورته" أي على صورة ءادم الأصلية التي خلقه عليها طوله ستون ذراعًا وعرضه سبعة أذرع فيكون الضمير في "صورته" عائدًا إلى ءادم عليه السلام، ويجوز أن يكون الضمير في "صورته" عائدًا إلى الله فيكون التقدير على الصورة التي خلقها الله وجعلها مشرفة مكرمة، وتسمى هذه الإضافة إضافة المِلك والتشريف لا إضافة الجزئية كإضافة الكعبة إلى نفسه كقول الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل: {أن طَهِّرَا بيتي} لأن الله سبحانه لا يوصف بالجسمية والجزئية فليس هو أصلاً لشيء ولا هو فرعًا عن شيء ولا يتحيز في جهة ومكان لأن التحيز للجسم اللطيف والكثيـــــف.

الخِلقة التي خُلق عليها ءادم عليــــــــــــــــه السلام

خلق الله سيدنا ءادم عليه السلام جميل الشكل والصورة وحسن الصوت لأن جميع أنبياء الله الذين بعثهم الله لهداية الناس كانوا على صورة جميلة وشكل حسن وكذلك كانوا جميلي الصوت، قال صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله نبيًا إلا حسن الوجه حسن الصوت وإن نبيكم أحسنهم وجهًا وأحسنهـــــــــــــــــــــــــــم صوتًا".

ولقد كان طول سيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام ستين ذراعًا، وكان وافر الشعر شبهه رسول الله في الطول بالنخلة السَّحوق، لما خلقه الله قال: اذهب فسلم على أولئك – نفر من الملائكة جلوس- فاستمع ما يُحَيُّونكَ فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله. وكل من يدخل الجنة يكون على صورة ءادم في الطول فقد ورد في مسند الإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة يدخلون الجنة على خلق ءادم ستون ذراعًا في عرض سبعـــــــــــــة أذرع.

فائدة: روى الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل لما صوّر ءادم تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يُطيف به فلما رءاه أجوف عرف أنه خلقٌ لا يتمالك"، وعند أبي يعلى: "فكان ابليس يمر به فيقول: لقد خلقت لأمر عظيـــــــــــــــــم".

ففي هذا الحديث الصحيح دليل على أن إبليس كان في الجنة لما خلق ءادم وذلك قبل أن يكفر لأن كان مسلمًا يتعبد مع الملائكة ولم يكن منهم من حيث الجنس والأصل لأن الملائكة أصلهم النور وإبليس أصله من مارج من نار أي لهب النار، وفيه أن إبليس كان يدور حول هيكل ءادم وذلك قبل أن ينفخ فيه الروح فرءاه أجوف أي شيئًا غير مصمت بل له جوف، فعرف أنه خلق لا يتمالك أي ليس كالملائكة ولا كالجمادات بل هــــــــــــو أضعف مــــــــــــــن ذلك. ومن الكذب الظاهر ما شاع من نظرية ابتدعها بعض الكفار وهي أن اصل البشر قرد أو يشبه القرد وهذا فيه تكذيب لقوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسانَ في أحسنِ تقويمٍ} [سورة التين] فسيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام هو أول إنسان خلقه الله تبارك وتعالى لم يكن أصله قردًا ثم ترقى حتى صار إنسانًا {كَبُرَتْ كلمةً تخرجُ من أفواهِهم إن يقولون إلا كَذِبًا} [سورة الكهف]، فنظرية داروين التي تقول إن الإنسان أصله قرد ثم ترقى بسبب العوامل المجهولة حتى صار هذا الإنسان، هي نظرية باطلة لا تقوم على أساس علمي وتردها دلائل النقل وإن تلقفها المفترون بكل جديد ولو كان سخيفًا باطـــــــــــــــــــــــــــــلاً.

وما جاء في القرءان من مسخ بعض اليهود قردة وخنازير فهو حالة نادرة جعلها الله تبارك وتعالى عذابًا لليهود الذي اعتدوا في السبت وعصوا الله تبارك وتعالى وموعظة وعبرة للمتقين، قال الله تبارك وتعالى: {ولقد عَلِمتم الذينَ اعتدوا مِنكم في السَّبت فقُلنا لهم كونوا قردةً خَاسئينَ} [سورة البقرة]. على أن أولئك الذين مسخهم الله تبارك وتعالى قردة لم يعيشوا طويلاً بل عاشوا ثلاثة أيام ثم ماتوا ولم يتركوا نسلاً من جنس ما مسخــــــــــــــــوا إليـــــــــه.

ذكر احتجاج ءادم وموسى عليهـــــــــــــــما السلام

روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حاجَّ موسى ءادم عليهما السلام فقال له: أنت الذي أخرجت الناس بذنبك من الجنة وأشقيتهم[1]، قال ءادم: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، أتلومني على أمر قد كتبه الله عليّ قبل أن يخلقني؟" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فحجّ ءادم موسى[2]".

 وأخرجاه أيضًا في الصحيح من طريق ءاخر وأحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتج ءادمُ وموسى، فقال له موسى: أنت ءادم الذي أخرجتكَ خطيئتك من الجنة؟ فقال له ءادم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه ثم تلومني على أمر قد قُدِّرَ عليَّ قبلَ أن أخلق[3]" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فحجَّ ءادمُ موسى".

وأخرجاه أيضًا في الصحيح من طريق ءاخر وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احنج ءادمُ وموسى فقال موسى: يا ءادم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، فقال له ءادمُ: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فحج ءادمُ موسى، فحجّ ءادمُ موسى".

وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتج ءادمُ وموسى عليهما السلام عند ربهما فحجَّ ءادمُ موسى، قال موسى: أنت ءادمُ الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته، ثم أهبطتَ الناس بخطيئتك إلى الأرض؟، قال ءادم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح[4] فيها تبيان كل شيء[5] وقرَّبك[6] نجيًا فبِكَم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين عامًا، فقال ءادم: أفتلومني على أن عملتُ عملاً كتبه الله عليَّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فحج ءادم موسى"، ورواه بنحوه ابن أبي حاتم.

وروى أبو داود في سننه وأبو يعلى في مسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن موسى قال: يا رب أرنا ءادم الذي أخرجنا ونفسَهُ من الجنة، فاراه الله ءادم فقال: أنت أبونا ءادم؟ فقال له ءادم: نعم، قال: أنت الذي نفخ الله فيك من روحه وعلّمك الأسماء كلها وأمر الملائكة فسجدوا لك؟ قال: نعم، قال: فما حملك على أن تخرجنا ونفسك من الجنة؟ قال له ءادم: ومن أنت؟ قال: أنا موسى، قال: أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء الحجاب ولم يجعل بينك وبينه رسولاً من خلقه؟ قال: نعم، قال: أفما وجدت أنَّ ذلك في كتاب الله قبل أن أخلق؟ قال: نعم، قال: فبم تلومني في شيء سبق من الله تعالى فيه القضاء قبلي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: فحج ءادم موسى، فحج ءادم موسى".

 وقد رد هذا الحديث قوم من القدرية لما تضمن من إثبات القدر، ومن كذب بهذا الحديث فمعاند، لأنه متواتر عن أبي هريرة رضي الله عنه وناهيك به عدالةً وحفظًا واتقانًا، ثم هو مروي عن غيره من الصحابة كما قدمنا ذلك.

ذكر إخراج أرواح ذرية ءادم من ظهره وأخذ الميثاق

روى النسائي وأحمد وابن جرير والحاكم في المستدرك بالإسناد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر ءادم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قُبُلاً" قال {ألَستُ بربِّكُم قالوا بلى شَهِدنا أن تقولوا يومَ القيامةِ إنَّا كُنَّا عنْ هذا غافلينَ ۞ أو تقولوا إنَّما أشرَكَ ءاباؤُنا مِن قبلُ وكُنَّا ذُرِّيةً مِن بعدهم أفَتُهلِكُنا بما فعلَ المُبطلونَ} [سورة الأعراف].

وروى الإمام أحمد في مسنده بإسناده عن سعبة، عن أبي عمران عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال للرجال من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنتَ مفتديًا به؟ قال: فيقول: قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر ءادم أن لا تشرك بي شيئًا فأبيت إلا أن تشرك بي". وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به.

فهذه الاحاديث كلها دالة على استخراجه سبحانه وتعالى ذرية ءادم من ظهره كالذرّ ثم استنطقهم وأخذ عليهم العهد وأشهد عليهم أنفسهم.

خلقُ حواء عليها السلام

خلق الله سبحانه وتعالى سيدتنا حواء من ضلع ءادم الأيسر الأقصر كما جاء في الحديث الذي رواه الشيخان: "ولأم مكانه لحمًا"، قيل لذلك سميت حواء بهذا الاسم لأنها خلقت من شيء حي، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضِلع، وإنْ أعوجَ شيءٍ في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" الحديث. ولم يخلق الله تبارك وتعالى حواء طفلة صغيرة ثم طورها إلى الكبر، بل خلقها على هيئتها التي عاشت عليها كبيرة طويلة مناسبة لطول ءادم عليه السلام، قال الله تبارك وتعالى: {يا أيها الناسُ اتَّقوا ربَّكم الذي خلقكم مِن نفسٍ واحدةٍ وخلقَ منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيرًا ونساءً} [سورة النساء].

وقال تعالى: {هُوَ الذي خلقَكُم مِن نفسٍ واحدةٍ وجعلَ منها زوجَها ليَسْكُنَ إليها} [سورة الأعراف] وقد زوَّج الله تعالى ءادم وحواء وجعلها له حلالاً في الجنة ثم كانا كذلك في الأرض.

سجود الملائكة لآدم واعتراض إبليس وعدم سجوده وطرده من الجنة

أمر الله تبارك وتعالى الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام فامتثل الملائكة لأمر الله وسجدوا كلهم لأن الملائكة كما وصفهم الله تعالى: {لا يعصونَ اللهَ ما أمرهُم ويفعلونَ ما يُؤمرونَ} [سورة التحريم]. وأما إبليس فقد استكبر واعترض على الله ولم يمتثل لأمره وقال: {أنا خيرٌ منهُ خلقتني من نارٍ وخلقتَهُ من طينٍ} [سورة الأعراف] فكفر وظهر منه ما قد سبق في علم الله تعالى ومشيئته من كفره واعتراضه باختياره، وقد ورد في الأثر أنه كان قبل كفره يسمى عزازيل. وروى مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ ابن ءادم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلَه، أُمر ابن ءادم بالسجود فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار".

ثم بعد أن عرف إبليس اللعين أنه ملعون طلب من الله أن ينظره أي يؤخره إلى يوم البعث أي يوم الخروج من القبور ولكن الله لم يجبه إلى ذلك بل أخره إلى النفخة الأولى ليذوق الموت الذي حكم الله به على خلقه قال تعالى مخبرًا عن قول إبليس: {قالَ ربِّ فأنْظِرني إلى يومِ يُبعثونَ ۞ قالَ فإنَّكَ مِنَ المُنظَرينَ ۞ إلى يومِ الوقتِ المعلومِ} [سورة ص]. ومعنى قوله تعالى: {كلُّ شيءٍ هالكٌ إلا وجهَهُ} [سورة القصص[7]] أي إلى زمن نفخة الإهلاك وهي نفخة إسرافيل في البوق فيموت كل حي من الإنس والجن من هول ذلك الصوت.

 ثم إن إبليس اللعين لما اعترض وكفر أمره الله بالخروج من الجنة، لكنه لم يخرج منها فورًا بل قام فيها مدة ليوسوس لآدم وحواء بعصيان الله تعالى ليكون سببًا في إخراجهما من الجنة، قال تعالى: {قالَ اخرُجْ مِنها مَذمومًا مدحورًا} [سورة الأعراف]، وقال تعالى: {فاخرُج منها فإنَّكَ رجيمٌ ۞ وإنَّ عليكَ لَعنتي إلى يومِ الدينِ} [سورة ص].

وقد كان إبليس قبل ذلك الوقت مسلمًا مؤمنًا من الجن يعبُد الله مع الملائكة، وذلك قبل أن يكفر ويعترض على الله، وليس صحيحًا أنه كان طاووس الملائكة ولا رئيسًا لهم كما يزعم بعض الجهال، قال الحسن البصري: لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وقال شهر بن حوشب: كان من الجن، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وإذْ قُلنا للملائكةِ اسجُدوا لآدمَ فسجدوا إلا إبليسَ كانَ مِنَ الجِنِّ ففسقَ عَنْ أمرِ ربِّهِ} [سورة الكهف]، وقوله تعالى: {فسجدَ الملائكةُ كُلُّهُم أجمعونَ} [سورة الحجر]، فلو كان من الملائكة لم يعص ربه لأن الله تعالى وصفهم في القرءان الكريم بقوله: {لا يعصونَ اللهَ ما أمرهُم ويفعلون ما يؤمَرونَ} [سورة التحريم].

ومما يدل أيضًا على أن إبليس ليس من الملائكة بل هو من الجن قوله تعالى: {قالَ ما مَنعكَ ألا تَسجدَ إذْ أمرتُكَ قالَ أنا خيرٌ منهُ خَلقتني من نارٍ وخلقتهُ من طينٍ} [سورة الأعراف] ففي هذه الآية دليل على أن إبليس مخلوق من نار، بخلاف الملائكة فإنهم خلقوا من نور كما جاء في صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخُلق ءادم مما وُصف لكم".

خلافةُ بني ءادم في الأرض

قال الله تعالى: {وإذ قالَ ربُّكَ للملائكة إني جاعِلٌ في الأرضِ خليفةٌ قالوا أتجعلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها ويَسفِكُ الدِّماءَ ونحنُ نسبِّحُ بحمدِكَ ونُقَدِّسُ لكَ قالَ إني أعلمُ ما لا تعلمونَ} [سورة البقرة].

هذه الآية تخبر أن الله قضى على ءادم وبنيه باستخلاف الأرض لعمارتها والانتفاع بما أودعه فيها من نبات وحيوان ومعادن ويتولى بعضهم على بعض بالحكم وغير ذلك.

وقد أخبر الله الملائكة وأعلمهم أنه سيجعل بني ءادم خليفة في الأرض يسعون فيها ويمشون في مناكبها وينتشر نسلهم في أرجائها، ويأكلون من نباتها ويستخرجون الخيرات من باطنها ويخلف بعضهم بعضًا فيها.

فسألت الملائكة ربها للاستكشاف عن الحكمة في جعله خليفة في الأرض لا للاعتراض على الله وقالت: {أتَجعلُ فيها مَن يُفسدُ فيها ويَسفكُ الدماءَ ونحنُ نُسَبِّحُ بحمدكَ ونُقدِّسُ لكَ} [سورة البقرة] أي نحن نعبدك دائمًا ولا يعصيك منا أحد.

فبيّن الله للملائكة الحكمة من جعل بني ءادم خليفة في الأرض وهو أن البشر وإن كان فيهم من يسفك الدماء ويفسد في الأرض، لكن منهم الأنبياء والأولياء، ونصب لهم دليلاً على فضل ءادم أن علمه أسماء كل شيء فتفوق على الملائكة بذلك وقال الله للآدم: {أنبِئهُم بأسمائهِم} [سورة البقرة] فصار ءادم يقول لهم هذا اسمه كذا هذا اسمه كذا فعرفوا أن هذا الجنس أفضل منهم.

كيف عرف الملائكة أن بني ءادم يفسدون

 عرف الملائكة ذلك من أنه كان مضى قبل ذلك جن يعيشون في الأرض فأحرقتهم الملائكة على ما ورد في بعض الآثار، وليس السبب ما قال بعض الناس أنه سبق قبل ءادم أوادم كثير حتى قال بعضهم كان مائة ألف ءادم، وهذا قول هراء ليس له أساس من الصحة.

أما سجود الملائكة لآدم فكان سجود تحية وإكرام لا عبادة لآدم، وكان سجود المخلوق للمخلوق جائزًا في شرائع الأنبياء ثم حرمه الله في شرع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

سكنى ءادم وزوجته حواء الجنة

أمر الله سيدنا ءادم وزوجته حواء التي جعلها حلالاً له أن يسكنا الجنة، وهي جنة الخلد التي سيدخلها المؤمنون يوم القيامة.

وقد أباح الله لآدم وحواء سكنى الجنة والأكل من ثمارها والشرب من مياهها والتنعم بنعيمها من غير مشقة ولا تعب يلحقهما في الحصول على ما يريدان من طعام وشراب، إلا شجرة واحدة حرّمها عليهما ونهاهما عن الأكل منها، وحذّرهما من عداوة إبليس وإغوائه لهما، ولم في القرءان الكريم ولا في الحديث الثابت الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هي هذه الشجرة، لذلك اختلف العلماء في تعيينها فقيل: هي الحنطة، وقيل: هي التفاح، وقيل: هي النخلة، وقيل: التين، وقيل غير ذلك، فقد تكون واحدة من هذه وقد تكون غيرها، وقال بعضهم: هذا الخلاف لا طائل تحته لأنه لا يتعلق بتعيينها حكم شرعي ولا فائدة تاريخية وإلا لعيّنها لنا القرءان.

وسكن ءادم وزوجه حواء الجنة وصارا يتنعمان بما فيها من نعيم وما فيها من كل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، فكان يتنقل بين أشجارها ويقطف من ثمارها ويتنعم بفاكهتها ويشرب من عذب أنهارها ومياهها، قال الله تعالى: {وقُلنا يا ءادمُ اسكُنْ أنتَ وزوجُكَ الجنَّةَ وكُلا منها رَغدًا حيثُ شِئتُما ولا تقربا هذهِ الشجرةَ فتكونا مِنَ الظالمينَ} [سورة البقرة].

وقال تعالى: {فقُلنا يا ءادمُ إنَّ هذا عَدُوٌّ لكَ ولِزوجِكَ فلا يُخرِجَنَّكُما مِنَ الجنةِ فتَشقى ۞ إنَّ لكَ ألا تجوعَ فيها ولا تَعرى ۞ وأنَّكَ لا تظمؤا فيها ولا تَضحى} [سورة طه] ومعنى رغدًا: أي هنيئًا.

سبب خروج ءادم من الجنة

السبب في ذلك أن ءادم خالف النهي الذي نهاه الله لأنه أعلمه بالمنع من أكل شجرة واحدة من أشجار الجنة وأباح له ما سواها فوسوس الشيطان له ولحواء أن يأكلا منها فقال لهما ما أخبر الله تعالى في القرءان: {فوَسوسَ لهُما الشيطانُ ليُبديَ لهُما ما وُرِيَ عَنهُما من سَوْءاتِهِما وقالَ ما نهاكُما ربُّكُما عن هذهِ الشجرةِ إلا أن تكونا مَلَكينِ أو تكونا من الخالدينَ} [سورة الأعراف] فأكلا منها فأخرجهما الله تعالى من الجنة، وكان ذلك قبل أن تنزل عليه النبوة والرسالة لأنه إنما نبئ بعد أن خرج من الجنة فتابا من تلك المعصية، ولا تعد تلك المعصية معصية كبيرة قال الله تعالى: {ثمَّ اجتباهُ ربُّهُ فتابَ عليهِ وهدى} [سورة طه].

ثم بعد خروجهما من الجنة تناسلا فعلّم ءادم أولاده أمور الإسلام فكل ذريته كانوا على الإسلام، ثم نبئ بعد ءادم ابنه شيث، ثم بعد وفاة شيث نبئ إدريس ثم كفر بعض البشر بعبادة الأصنام فبعث الله الأنبياء بالتبشير لمن أطاعهم بالجنة والإنذار بالنار لمن خالفهم بعبادة غير الله وتكذيبهم. مما ابتلي به ءادم وحواء بعد أكل الشجرة أنه نزع عنهما لباسهما وانطشفت لهما سوءاتهما فطفقا يلصقان عليهما من ورق الجنة وكان لباسهما الذي كان عليهما من نور، وقد دل القرءان العظيم على أنه كان عليهما لباس في قوله تعالى: {يا بني ءادمَ لا يَفتِنَكمُ الشيطانُ كما أخرجَ أبويكُم مِنَ الجنةِ يَنزعُ عنهُما لِباسهُما ليُريَهُما سوءاتهما} [سورة الأعراف]. ثم بعد أن نزلا إلى الأرض علمه الله تعالى أسباب المعيشة فأنزل له القمح وعلمه كيف يبذر وكيف يحصد وكيف يعمل للأكل، وعلمه النقدين الذهب والفضة فعمل الدراهم والدنانير.

فآدم عليه السلام له فضل كبير على البشر لما له عليهم من حق الأبوة وتعليم أصول المعيشة فلا يجوز تنقيصه، فمن نقصه أو أنكر رسالته فهو كافر. فلو كان الأمر كما ظن بعض الناس أن ءادم لم يكن رسولاً لساوى البشر البهائم ولكانت ذريته كذرية البهائم.

قال الله تعالى: {وقُلنا يا ءادمُ اسكُنْ وزوجكَ الجنةَ وكُلا منها رَغَدًا حيثُ شِئتُما ولا تقربا هذه الشجرةَ فتكونا مِنَ الظالمينَ ۞ فأزَلَّهُما الشيطانُ عنها فأخرجَهُما مِمَّا كانا فيهِ وقُلنا اهبطوا بعضكم لبعضٍ عَدُوٌّ ولكم في الأرضِ مُستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ} [سورة البقرة].

وقال الله تعالى: {فوَسوسَ إليهِ الشيطانُ قال يا ءادمُ هل أدُلُّكَ على شجرةِ الخُلدِ ومُلْكٍ لا يبلى ۞ فأكلا منها فبَدَتْ لهًما سوءاتهما وطفِقا يَخْصِفانِ عليهما من ورقِ الجنَّةِ وعصى ءادمُ ربَّهُ فغوى ۞ ثمَّ اجتباهُ ربُّهُ فتابَ عليهِ وهدى} [سورة طه].

فائدة: قال الله تعالى: {فتلقَّى ءادمُ من ربِّهِ كلماتٍ فتابَ عليهِ إنَّهُ هوَ التَّوابُ الرحيمُ} [سورة البقرة]، وروي عن مجاهد قال: "الكلمات: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمكدك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم"، وروى البيهقي بإسناده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسل: "لما اقترف سيدنا ءادم الخطيئة قال: "يا ربّ أسألك بحق محمد إلا ما غفرت لي، فقال الله: فكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه بعد؟ فقال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحك[8]، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبًا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك"، قال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه وهو ضعيف، ورواه الحاكم وصححه.

تنبيه: لا يقال طرد الله ءادم من الجنة لأن هذا اللفظ فيه تحقير لسيدنا ءادم بل يقال أهبِطَ كما يفيد نص القرءان.

مدة إقامة ءادم عليه السلام في الجنة واليوم الذي خرج فيه من الجنة

اختلف العلماء في مقدار مُقام ءادم عليه السلام في الجنة فروى الحاكم في مستدركه أن ءادم لم يمكث في الجنة إلا ما بين العصر إلى الغروب، والأقوى أنه مكث مائة وثلاثين سنة. ولا ينافي هذا بالنسبة لتلك الأيام الستة أن يكون أدرك فيها مائة وثلاثين عامًا ثم أكمل الألف في الارض كما يفهم ذلك من بعض الآثار.

وقد ورد أن اليوم الذي أُخرج فيه ءادم عليه السلام من الجنة وهبط فيه إلى الأرض كان يوم الجمعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق ءادم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منه" رواه مسلم، ورواه أحمد بنحوه.

مكان نزول ءادم عليه السلام على الأرض

أمر الله سيدنا ءادم وحواء بالهبوط من الجنة إلى الأرض، وأمر إبليس بالهبوط إليها أيضًا، وأخبرهما أن العداوة بينهما وبين إبليس اللعين ستظل قائمة وبالتالي ستكون بين إبليس وبني ءادم قال الله تعالى: {وقُلنا اهبطوا بعضُكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرضِ مُستقرُّ ومتاعٌ إلى حينٍ} فيروى أن ءادم عليه السلام نزل في أرض الهند في أرض تسمى سرنديب على أشهر الأقوال، ونزلت حواء عليها السلام في أرض أخرى قيل إنها جُدة، فجاء سيدنا ءادم في طلبها حتى أتى جمعا فازدلفت[9] إليه حواء فلذلك سميت المزدلفة وهي بين مكة وعرفة، وقيل إنهما تعارفا في عرفات لذلك سميت عرفات، وأما إبليس اللعين فقيل إنه نزل بالأبُلّة أرض في العراق.

فائدة: قيل إن أطيب بقعة في الأرض ريحًا الأرض التي أهبط بها ءادم فعلق بشجرها من ريح الجنة، قيل إن تلك الأرض التي نزل بها ءادم من أصح بلاد الأرض فناسبت أن تكون موطنه لكونه قريب عهد بالجنة.

بناء البيت الحرام

أمر الله ءادم عليه السلام أن يبني البيت الحرام فقدم مكة وبنى البيت من خمسة أجبُلٍ: من طور سيناء، وطور زَيْتى، ولبنان، والجودي، وبنى قواعده من حراء، فلما فرغ من بنائه أرسل الله له ملكًا علمه المناسك، ثم بقي كذلك حتى أغرق الله قوم نوح عليه السلام فرُفع البيت وبقي أساسه فجاء سيدنا إبراهيم عليه السلام فبناه.

قصة هابيل وقابيل

قال الله تبارك وتعالى: {واتْلُ عليهم نبأ ءادمَ بالحقِّ إذْ قَرَّبا قُربانًا فتُقُبِّلَ مِنْ أحدِهما ولم يُتَقَبَّل مِنَ الآخرِ قالَ لأقتُلَنَّكَ قالَ إنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقينَ ۞  لئِن بَسَطتَ إليَّ لتقتُلني ما أناْ بباسِطٍ يدي إليكَ لأقتُلَكَ إنِّي أخافُ اللهَ ربَّ العالمينَ ۞  إنِّي أريدُ أن تَبُوأ بإثمي وإثمكَ فتكونَ مِن أصحابِ النارِ وذلكَ جَزَاؤا الظالمينَ ۞  فَطَوَّعَتْ لهُ نفسُهُ قَتْلَ أخيهِ فقتلهُ فأصبحَ مِنَ الخاسرينَ ۞  فبعثَ اللهُ غُرابًا يبحثُ في الأرضِ ليُريهُ كيفَ يُواري سوءَةَ أخيهِ قالَ يا ويلتي أعَجَزْتُ أن أكونَ مِثْلَ هذا الغُرابِ فأُواريَ سوءةَ أخي فأصبحَ مِنَ النَّادمينَ} [سورة المائدة].

تتلخص قصة هابيل وقابيل أن حواء عليها السلام ولدت أربعين بطنًا وكانت تلد في كل بطن ذكرًا وأنثى، وكان سيدنا ءادم عليه السلام يُزوج ذكر كل بطن بأنثى من بطن ءاخر، ويقال إن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل التي كانت أجمل من أخت هابيل لكن قابيل أراد أن يستأثر بها، فأمره ءادم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى، فامرهما أن يقربا قربانًا وهو ما يتقرب به إلى الله تعالى وذهب ءادم إلى مكة ليحج، وقرّب كل واحد منهما قربانه بعد ذهاب أبيهم ءادم عليه السلام، فقرَّب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب غنم، وأما قابيل فقرب حزمة من زرع رديء وكان صاحب زرع، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب قابيل غضبًا شديدًا وقال لأخيه هابيل لأقتلنك حتى لا تنكح أختي فقال له: إنما يتقبل الله من المتقين. وذات ليلة أبطأ هابيل في المرعى فبعث سيدنا ءادم عليه السلام – وكان قد رجع من الحج- أخاه قابيل لينظر ما أبطأ به، فلما ذهب إذ هو به، فقال له: تقبل منك ولم يتقبل مني، فقال له هابيل: إنما يتقبل الله من المتقين، فغضب عندئذ قابيل، ثم أتاه وهو نائم فرفع صخرة فشدخ بها رأسه، وقيل خنقه خنقًا شديدًا. وأما قول هابيل لقابيل: {لئن بسطت إليَّ لتقتُلني ما أناْ بباسِطٍ يدي إليكَ لأقتُلَكَ إنِّي أخافُ اللهَ ربَّ العالمينَ ۞ إنِّي أريدُ أن تَبُوأ بإثمي وإثمكَ} [سورة المائدة]. فمعناه أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشدّ منك وأقوى فتحمل إثم قتلي مع ما لك من الآثام المتقدمة قبل ذلك.

وقيل لما قتل قابيل هابيل ندم على ذلك فضمه إليه حتى تغيرت رائحته، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر حتى يرميَ به فتأكله، وكره أن يأتي به ءادم فيحزنه، ولم يزل يحمله حتى جاء غرابان فاقتتلا أمام قابيل فقتل أحدهما الآخر، فعمد إلى الأرض يحفر له بمنقاره فيها، ثم ألقاه ودفنه وجعل يَحثي عليه التراب حتى واراه، فقال عندها قابيل: {يا ويلتي أعَجَزتُ أن أكونَ مثلَ هذا الغرابِ أُواريَ سوءةَ أخي} [سورة المائدة]، ثم أخذ يفعل به ما فعل ذاك الغراب فواراه ودفنه تحت التراب. وليعلم أن ابن ءادم قابيل الذي قتل أخاه هابيل كان مسلمًا مؤمنًا ولم يكن كافرًا، وإنما ارتكب معصية كبيرة بقتله أخاه هابيل ظلمًا وعدوانًا. فائدة: روى الجماعة سوى أبي داود، وأحمد في مسنده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن ءادم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل" أي ظلمًا، فعُلم من ذلك أن قابيل ما تاب من قتله لهابيل.

وبجبل قاسيون شمالي دمشق مغارة يقال لها مغارة الدم، ذُكر بأنها المكان الذي قتل قابيل أخاه هابيل عندها، والله أعلم بصحة ذلك.

موت سيدنا ءادم وحواء عليهما السلام

عاش سيدنا ءادم عليه السلام ألف سنة قيل: قضى منها مائة وثلاثين سنة في الجنة وبقية الألف عاشها على هذه الأرض التي نزل إليها، ولما مات بقيت ذريته على دين الإسلام يعبدون الله تعالى وحده ولم يشركوا به شيئًا، فعاش البشر ألف سنة أخرى على دين الإسلام. ولم يكن فيهم كفر ولا شرك وإنما حصل الكفر والشرك بعد نبي الله إدريس عليه الصلاة والسلام فكان سيدنا نوح عليه السلام أول نبي بعث إلى الكفار. وقد ورد في الأثر أن ءادم عليه السلام دفن في مكة أو في منى قرب مسجد الخيف حيث دفن سبعون نبيًا، وقبورهم مخفاة ولا يوجد علامات تدل عليها، وقيل دفن عند الجبل الذي أهبط عنده في الهند، وقيل بجبل أبي قبيس. والله أعلم. ويروى أن زوجه حواء عليها السلام عاشت بعد سيدنا ءادم عليه السلام سنة ثم ماتت ويقال إنها دفنت في جدة.


الهوامش:

[1] أي أوقعتهم في الشدة والمشقة.

[2] أي غلب، وهذا للمباسطة والمحبة ليس على وجه التوبيخ والتعيير.

[3] المراد كُتب، وليس معناه التقدير الذي هو صفة الله.

[4] أي التوراة.

[5] مما يحتاج إليه للدين من عقائد وأحكام.

[6] أي قربك لإسماع كلامه وحدك.

[7] قال الإمام البخاري في تفسير قوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه}: "إلا مُلكَهُ" ومعناه سلطان الله لا يهلك.

[8] روحك: أي الروح المشرفة عندك.

[9] فازدلفت: أي اقتربت.